العبق الحسيني الكربلائي يحلق في ارجاء المكتبة الوطنية ومنها الى لبنان كله. المرتضى: مشعل الحق الذي كان بيد الحسين ازداد اتّقادًا ولم ينَلْ منه موتٌ ولا ظلم، بل انتقل إلى أيدي الأجيال التي جاءت بعده وسينتقل إلى تلك التي ستأتي بعدنا، حتى يرث الله الأرض ومن وما عليها.
العبق الحسيني الكربلائي يحلق في ارجاء المكتبة الوطنية ومنها الى لبنان كله.
المرتضى: مشعل الحق الذي كان بيد الحسين ازداد اتّقادًا ولم ينَلْ منه موتٌ ولا ظلم، بل انتقل إلى أيدي الأجيال التي جاءت بعده وسينتقل إلى تلك التي ستأتي بعدنا، حتى يرث الله الأرض ومن وما عليها.
شدد وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى على ان تنظيم وزارة الثقافة ندوة تحت عنوان “عاشوراء” وبأن تجعلَ من هذا اليوم موعدًا لقراءات عاشورائية رحيبةِ الحروف. ليس من أجل إحياء ذكرى دينية أو وطنية، بل إصرارًا على نشر الوعي الثقافي حول أهمية مواقف البطولة في الدفاع عن الحق. ”
واضاف:” هذا ما نحن بحاجةٍ إليه كثيرًا في هذه الأيام التي نبصر فيها أفعالًا عدائية، ونشهد مؤامراتٍ عدوانية تهدف كلُّها إلى هدمِ الخير العام في هذا العالم، وإلى الاستيلاء على ما لنا من خير خاص في الأرض والماء.”
وقال:” إن التأسّي بالحوادث الجليلة في التاريخ وعلى رأسها كربلاء يوطد فينا العزيمة على التضحية في سبيل الخير العام والخير الخاص، لأنَّ الوجود الإنسانيَّ كلَّه مرتبطٌ بهما، وهذا هو فحوى الديانات السماوية ومرماها، وغاية الحضارة البشرية التي تسعى إلى عمارة الأرض بالحق لا بالسيف.”
كلام الوزير المرتضى جاء خلال ندوة لذكرى “عاشوراء” نظمتها وزارة الثقافة في المكتبة لوطنية تحت شعار ” الذكرى المستعصية على الزمن، العابرة للطوائف، المرتبطة فكرياً ووجدانياً بالآفاق الإنسانية الأرحب والعابقة بالمآثر والمناقب والعَبَرات والعِبَر ” شارك فيها الباحث والشاعر الدكتور ميشال كعدي، رئيس اللجنة الوطنية للثقافة والتربية والعلوم المحامي الأديب شوقي ساسين، عضو المجمع اللغوي في مصر شوقي حمادة، رئيس الإتحاد الفلسفي العربي الدكتور مصطفى الحلوة، الشاعر نزار فرنسيس إضافة إلى الكاتب والإعلامي روني ألفا وحضرها وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام، وزير الرزاعة عباس الحاج حسن النواب أيوب حميد، طوني فرنجية ،قبلان قبلان ، الوزير السابق وديع الخازن السفير الصيني تشيان مينجيان ، السفير التونسي بوراوي الامام ،السفير العراقي حيدر البراك، المستشار الثقافي الإيراني السيد محمد رضا مرتضوي، مسؤول إعلام حزب الله محمد عفيف، إضافة إلى جمع من الإعلاميين والمثقفين والكتاب كما عُرِضَت لوحات عاشورائية للفنانَين التشكيليين هشام الطقش واحمد العبدالله حاكَت الحدث الكربلائي بمشهديات أعادت رسم الإنفعالات ووثقت تاريخ استشهاد الامام الحسين.
قدم الحفل الكاتب والإعلامي روني ألفا، شاكرا وزير الثقافة وقال: لدي كل الأسباب الموجبة ألا أرتاح لوزير الثقافة، القاضي محمد وسام المرتضى. أسباب ارتياحي لن أبوح بها فهو يعرفها أما قنوطي وعدمُ ارتياحي فمردُّهُما أنه يعطينا أملًا كنا فقدناه ورجاءً. كنّا يئسنا منه فهو يُشبِهُنا مسلمٌ يحبُّ المسيح كما نحن المسيحيين نحبُّ محمدًا.
للوزير المرتضى قدرة غريبة على تحويل مكتبه الصغير الى وطن، وهذا بالتحديد مأخذنا عليه. نشعرُ معه أننا في وطن ما أن نَخطو خطوات قليلة نحو الشارع، نتذكّر أننا في غابة.. يعذبنا معالي الوزير، ولكن لا بد من الاعتراف أننا نتلذذ بجراحاتنا في مكتبه الصغير. نصلّي صاحب المعالي كل على دينه لتصغُرَ الغابةُ وتصبحَ بمساحةِ مكتبِكَ وطنًا صغيراً يأوينا ويحتوينا…
المرتضى
ومما قاله الوزير المرتضى:” نادرةٌ واقعاتُ الدهرِ التي يخرجُ تأريخُها من يومِهِ ليحتلَّ الزمان. ذلك لا يصيرُ إلاّ في الأحداثِ الجليلةِ التي تُشكّلُ مفترقًا حضاريًّا بالغَ التأثيرِ على مسيرةِ الإنسانية، تنعطفُ معها المفاهيمُ إلى الأرحبِ والأعمقِ والأعلى والأكثرِ غنًى وإشراقًا.”
وقال عن الذكرى: “كربلاء يومٌ من هذه الأيام الجليلةِ القليلةِ التي لا يزالُ ضوؤها ساطعًا منذ أربعةَ عشرَ قرنًا إلى الآن، لا لأنها كانت فصلًا دمويًّا من فصول الصراعِ بين الحق والباطل، أو بين الخير والشر، بل لأن مأساتَها غدت تعبيرًا عن ألمٍ وأملٍ مجتمعَيْنِ معًا: الألمُ على تلك الدماء الطاهرة التي أُريقَت ظلمًا وعدوانًا، والأملُ بأن بقاءَ الذكرى على تمادي الأجيال، دليلٌ على كونِها المعبرَ الأكيد لإنتصار الخير والحق في خاتمة المطاف.”
وتابع المرتضى:” إذا أردنا إسقاطَ الفاعلية الحضارية على مجريات الفاجعة، استطعنا القول إنه إذا كان الحدثَ الأساس في عاشوراء يتمثّل في إستشهاد الإمام الحسين عليه السلام لإختياره السِلّة على الذلِّة، فإن تحوّل مسيرة الإنسانية، تمثلُه مسيرة السبايا والأطفال التي تحوّلت من موكب أسرى إلى موقف كرامة يصدعُ على لسان زينب(ع) بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر، معلنةً بإباء أن قول الحق هو الذي يعطي الحياة طعمَها المقدّس.”
وأردف:” هكذا أدّى سفكُ الدم الحسيني الطاهر إلى نتيجة معاكسة لما اشتهى يزيد، فإن مشعل الحق الذي كان بيد السّبطِ ازداد اتّقادًا ولم ينَلْ منه موتٌ ولا ظلم، بل انتقل إلى أيدي الأجيال التي جاءت بعده وسينتقل إلى تلك التي ستأتي بعدنا، حتى يرث الله الأرض ومن وما عليها. وهكذا، بالتضحية والثبات على الفضيلة والإيمان الوطيد بالحق، خرج الحسينُ من ضريحه إلى رحاب الإنسانية، وخرج يزيد من سلطانه الغاشم إلى قبر التاريخ.”
ولفت الى اهمية احياء ذكرى عاشوراء:”إنطلاقًا من هذه الأبعاد الحضارية الإنسانية الشاملة، شاءت وزارة الثقافة أن تجعلَ من هذا اليوم موعدًا لقراءات عاشورائية رحيبةِ الحروف. لا من أجل إحياء ذكرى دينية أو وطنية، بل إصرارًا على نشر الوعي الثقافي حول أهمية مواقف البطولة في الدفاع عن الحق. ”
وأكد:” هذا ما نحن بحاجةٍ إليه كثيرًا في هذه الأيام التي نبصر فيها أفعالًا عدائية، ونشهد مؤامراتٍ عدوانية تهدف كلُّها إلى هدمِ الخير العام في هذا العالم، وإلى الاستيلاء على ما لنا من خير خاص في الأرض والماء. إن التأسّي بالحوادث الجليلة في التاريخ وعلى رأسها كربلاء يوطد فينا العزيمة على التضحية في سبيل الخير العام والخير الخاص، لأنَّ الوجود الإنسانيَّ كلَّه مرتبطٌ بهما، وهذا هو فحوى الديانات السماوية ومرماها، وغاية الحضارة البشرية التي تسعى إلى عمارة الأرض بالحق لا بالسيف.”
واستطرد:” أما أحزان عاشوراء التي اكتظَّت بها مجالسُها في العشر الماضيات، فإنها اليوم على موعدٍ مع الفرح، كما قلت في تغريدة لي عند مطلع هذا الشهر. ذلك أن كلَّ ألمٍ لا يُفضي إلى فرح الانتصار في الدنيا والآخرة، هو عذاب مجاني. وأعظم إنتصار عرفَته كربلاء هو قدرتُها على تخطي الألم الوقتي لتظلَّ حاضرةً في عمق معاني الفضائل الإنسانية. وبعد، أوَليسَ هذا عنوانَ لقائنا؟ شكرًا لحضوركم جميعاً حضوراً وخطباء، وإلى مواعيد قادمة نقيم فيها أعيادًا لثقافة الحق والعزّة والحرية.”
وختم قائلاً: السَّلام عَلَيْكَ يَا أبا عَبْدِ اللهِ وَعلَى الأرواحِ الّتي حَلّتْ بِفِنائِكَ، وَأنَاخَت برَحْلِك، عَلَيْكًم مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً، مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ أهْلَ البَيتِ، السَّلام عَلَى الحُسَيْن، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين.”
وفي تقديمه للشاعر فرنسيس، قال ألفا: الصديق العزيز، الشاعر الذي يعذبنا هو أيضاً يصور لنا ارزةً على شاكلة احلامنا وأغنياتٍ تجعلنا أكثر صمودًا من هياكل بعلبك. شكرًا لأنك نزار، شكرًا لكلماتك الرائعة تسقي أحلامنا.
فرنسيس
والقى الشاعر نزار فرنسيس قصيدة من وحي المناسبة اعتبر فيها ان الحق لا يموت وقال: من وجهة نظري ورغم أنى لست شيعيًا الا ان اعتقادي راسخ ان الامام الحسين للبشرية جمعاء والقى القصيدة التالية:
لو كان إلنا حسين وصحابو
كنّا عشقنا غبرة تيابو
وْكنّا فتحنا الكنايس للتعازي
وْجبَرنا الدهر يحنيلو رْكابو
لو كان إلنا حسين وصحابو..
لو كان إلنا حسين مسيحي
كنّا انسَمينا بْديننا بإسمين
وكنّا ندهنا للشمس زيحي
غيبي ارحلي ما زال غاب حسين
ما عاد بدنا الشمس بغيابو
لو كان إلنا حسين وصحابو..
ولو مش لإلنا حسين وصحابو
المفروض نقرا الحق بكتابو
ونفتح بواب قلوبنا لحسين
وبكلّ سجدة نحسب حسابو
ولو مش لإلنا حسين وصحابو..
هيدا حسين الكلّ مش للبعض
ثورة على الظالم بكل الأرض
لازم بيومو ع الخليقة فرض
نبكي على المظلوم ومصابو
ونصرخ لإلنا حسين وصحابو
وقدم ألفا كعدي قائلا: العزيز الدكتور ميشال استمر بالخفقان بقلب مريم وسيماءَ المسيح. في ملامحكَ رحمةٌ تشبِهُ آياتَ الإنجيل والقرآن. فوجئوا بأنّكَ على مذهبِ عيسى المسيح.. كما قال أحدهم لتقارب القيم ما عرفوا أنك كربلائي وجلجلي. حدثنا عن الأولياء من أورشليم الى كربلاء.
كعدي
الباحث والشاعر ميشال كعدي قال في كلمته:” في هذه الذكرى، ذكرى عاشوراء ضممتُ احرفاً معمدة بدم الحسين، ثم عدتُ الى ما يشبه الرمز والتلميح، ووجع الاسلام، جامعا نفسي في خشوع التأمل، لأرى تلك الجبهة الغراء، التي أملت على الدنيا والاصقاع، ريادة الإصلاح الصارخ في وفرة الموت والجهل، واستقالة العقل والضمير من اجل الحق، والرسالة المثلى والحكمة.”
مشيرا الى ان الامام الحسين (ع) وضع نصب عينيه الاسلام وليس السلطان حين قال: “لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً، ولا مفسداً…إنما خرجت لطلب الإصلاح”. واعتبر كعدي ان:” في الحياة اوقات مصيرية وحاسمة تمتاز بمفارق تتلمس السبل، وفي الدنيا وجوه طليعية تقرب القبلة الالهية، تشيل بأجنحة العطاء والبطولة الى فوق، ومن شأنها دائما ان تلقى في الملأ زاد العبقرية، حتى غدت تشارف الزمن وألق الروح وعتمة التاريخ. تلك القامات غابت كقامات اهل البيت مثلا فتحولت الى اسماء لا تٌنسى.”
وتابع الباحث كعدي :” على ان الامام الحسين (ع) فمُس برؤية ومكانة سماوية وعظمة ربانية كالمسيح وعليً كانما كُوًن بالفضائل والمناقب والقيم ،فتألق بالنور واسلاك النبوة ولا غرو فهو المعروف بالنسب سليل الاحمدية والاصلاب الشامخة، وعندما اراد الاسلام انطلاقة ، وثب الى الموت وثبة اسد ليدافع عن حق الله والدين الحنيف والكرامة الانسانية باسما للشهادة رافضا المآثم وهو يقول “هيهات منا الذلة” وهكذا اضاف على سلوكه العلوي ونسبه غرً الصفات الحسينية التي عرفت بالنخوة والرفعة ونكران الذات والفروسية وملامح لا تزول .” لقد ترك لنا وللاجيال ان تنعم بدم شهادته وابقاها سراجاً للأمة، ونوراً عاشورائياً إلهياً”.
ولفت الى ان “عاشوراء اروع ملاحم كربلاء، بل اروع ملاحم الوجود، ضم الحسين (ع) الله إليه والدين والارض وأسلم الروح. “خاض الحسين فصول المواقف كلها ليثبت ان الشهادة في منتهى النزاهة، والشهيد بخلوده لا بوجوده والشهادة بحد ذاتها شهوة في نفوس المؤمنين ومحبي الرب.”
وقال كعدي:” الحسين حضر وهو يبتسم على وقع العنفوان والايمان رافضاً المصانعة والهروب، متلبساً وجه الله ونور السماء والرسول وعلياً الذي ولد قبل آدم وحواء، وبات لكل آفاق وزمان.”
واضاف:” الحسين شغلته هزة المجتمع، إبان تلك الفترة فصحا الى تبعات إرثية، ومن ثم انتفض الى نصرة المظلوم، ملهبا الصدور في وجه الاعتداء والانقلاب والتآمر. ان الحسين رمز للسدر العالية، وأبعاد الانسانية، وان لم نقر بالحقيقة فما اتفهنا”.
وختم: ايها القديس الشهيد في كربلاء، لقد غُلبت في السلاح، وانما غلبت في الفضائل المكارم وكنت قدوة ورسالة. على ان الشهادة قاعدة في اهل البيت، من ابيك اليك، الى ريحانتك، الى صحبك الميامين”.
ثم قدم ألفا الأستاذ شوقي حمادة: اللغويُّ الذي نحطاط الى لحناتنا منه إذا لحنّا من المجمع اللغوي في مصر. طالت غزوته العالم العربي مستغربون استشرقوا على لغته استشرفوا ضادًا هي الأجمل والأبهى والأقوى.
حمادة
وقال عضو المجمع اللغوي في مصر الأستاذ شوقي حمادة: “لا بأس علي من ان اقف امامكم خطيباً ولكن البأس كله في أن اقف امام هذه الذكرى التي يهتز لها المنبر ويخرس فيها الخطيب “. مشيرا الى ان ثلاثة امور دفعت الإمام الحسين الى الخروج بسيفه زبدتها (إصلاح بيت المسلمين، وإحقاق الحقً، وإرساء العدل.) إذ كان يستفزه كل إفساد في الدين وكل حق مضيًع وعدل ذبيح.
واضاف:” خرج الحسين للساح والكفاح بسبب استيلاء الضلالة على العقول وافلات الشهوات من العقائل، خرج ارضاء لربه وايمانه فاستحال حكاية المصباح الذي لا ينقطع اشراقه ولا تخبو شعلته ولا يجف زيت الله فيه، زلان فطرته كانت الاخلاق، وسيفه كان التضحية وروحه كانت الرسالة، هذه الرسالة هي اياها التي على دينها نحيا وعلى دينها نموت.”
وتابع: “ليعلم الذين وهموا واتهموا الحسين(ع) مشى ليدفن الفتنة ويحقق منطق التكامل بين انسانيته وإسلاميته. ولعل بهذا وحده تمدنت الصحراء. وها إني اراه وقد طرح ثياب الأرض ليلبس حلة السماء. إن محبة الحسين المطلقة للحق، هي –عندكم وعندي – (ايمان النبرة في رأس المئذنة.. هي (معنى) الرنين في جرس الكنيسة، هي ليست التكبير الذي تسمعون، ولا القداس الذي تحضرون وانما(هي) من يقوم لها هذا التكبير وذلك القداس.. عزاؤنا.”
وختم حمادة “ان من مات بصلاحه وإصلاحه، فموته لا يعد خروجا من الحياة بل دخولاً فيها، وتسألون بعد كيف تنقلب كتاباتنا انقلاب فناء ويثبت فداء (الحسين) ثبات بقاء؟ السر يا سادة – ان الحاء عندنا من الحبر وعنده (الحاء) من الروح، فوقفنا نحن على (حاء البدايات) وبلغ هو (حاء النهايات)، فأمسينا ونحن نكتب للنور، وأصبح (عليه السلام) والنور يكتبه.
بعد ذلك قدم ألفا المحامي الأستاذ شوقي ساسين: الكلمةُ المجنحة والصورةُ التي
لا إطارَ لها سوى التحليق والطلاوةُ التي طعمُها لغةٌ عسليةٌ. مشتاقون إلى الشهد
فاشهد معنا.
ساسين
ورأى رئيس اللجنة الوطنية للثقافة والتربية والعلوم(الاونيسكو)المحامي الاستاذ شوقي ساسين “أن كربلاءَ ليست حدثًا قائمًا في حيّزٍ بيِّنٍ من أرضٍ وعصر، ولا نزاعًا على الحكمِ بين مستحقّه ودعيِّه، بل هي ملحمةُ بطولةٍ تخطّى فعلُها حدود جراحِها، واستشرى حتى أسكنَ التاريخَ بين حدَّيْن هما الاستبدادُ والقيم، فما زالَ زمانُنا العربيُّ يخلجُ بينهما، عاديًا تارةً وأشلَّ تارات”.
وتابع:” كان الحسين المزدحمُ بإرث تقواه، العابقُ بما اختزن دمه من دم النبي، وقلبُه من مهابة الحق، ينظرُ ناحيةَ الشامِ فيرى شمسَها تسطو على عبدِ شمس، والحاكمين فيها ينفون من وجدانِهم ما بُعِثَ فيه جدُّه من مكارمِ أخلاقٍ في تدبير الرعية، فلا يبقى له سوى المضيِّ إلى شأنٍ يعرف أنه فيه ملاقٍ ربّه، لاختلال ميزان السيوف؛ لكنه في الوقت نفسِه ممتلئُ الإيمان بأن حتفَه أكرمُ إنسانيةً من أن تلاقيَ المثلُ حتفَها. هكذا أصبحت كربلاء في أحد أهمِّ أبعادِها، مواجهةً بالضلوع المكسورةِ بين الجاهلية والإسلام؛ أو بين دعويَيْهما في الحكم: دعوى من همُّه الكرسيُّ ولو دعائمُه الجماجم، ودعوى الذي يسلك الفضيلةَ دربًا لسياسة الناس؛ حتى قيل فيها إنها الثأرُ من بدر”.
وأردف ساسين: ” أردتُ أن أبقى خارج يوميات الألم العاشورائي، وأن أطوّف حولها، وقبلها وبعدَها، لأنها بذاتِها غنيةٌ عن ذكريات وخطب، بعدما انحفرت على وخز الضمائر ونبضِ القلوب. ولأنَّ بُغيتي كانت أن أدخل في دورةٍ صغيرةٍ من دوائر التاريخ الذي لم يفارقْ أمسُه يومَنا، حتى لَأحداثُه فينا أشباه. ولكي أقول أخيرًا إننا ما لم نخرجْ من حلقةِ الوقتِ المقفلة، ويصرْ غدُنا أمامنا، منصوبًا على سَوارٍ من إراداتِنا الحرة وقيمِنا العليا، فستبقى كربلاءُ حاضرةً في الوجود العربي بل الإنساني، بمأساتِها ورؤاها، وبآثارِها التي لن تزول حتى يتحقق أثرُها الأسمى: أن ينتصر إلى الأبد دمُ الحسين على سيفِ يزيد”.
وفي تقديمه، للدكتور الحلوة قال ألفا: قرأنا طرابلسَكَ تشبِهُ وطنًا يجمع باباً لتبانة وجبلًا لمحسن من طرابلس نرسم معك مراجعاتٍ في الحراك الفكري العربي المعاصر. الناقدُ بلا تجريح، الفاتحُ أروقةَ المعرفة، الكاتبُ السِّيَرَ والشجون والألسنيُّ اللغويُّ الموثّقُ المحققُ المدققُ، اتحفنا من كشكول ذاكرتك.
الحلوة
والقى رئيس الاتحاد الفلسفي العربي الدكتور مصطفى الحلوة كلمة معتبرا ان ذكرى عاشوراء:” محطة عابرة للطوائف تتخطى محدوديَّة الأزمنة وتحيُّزات الأمكنة. وقُدوةً لانتصار الحق على الباطل. وإذ كانت مقتلةُ كربلاء اتخذت بُعدًا عالميًا، فلأن أهدافها مغرقةٌ في إنسانيتها، تُدافع عن إنسانية الإنسان مُطْلقًا، تزودُ عن حريته وعن عقيدته. وان مقتلة كربلاء، جريمةٌ ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.”
وقال:” لم يخرجْ الحسين من مكّة إلى الكوفة، إلاّ طلبًا للإصلاح. لم يخرج للقتال وسفكِ الدماء! لقد خرج لأنه رفض تقويض الحكم الإسلامي الحقّ، ولكي يكون الأمرُ للأمة، تختار من تراه صالحًا، عبر المشورة والرضا. هنا كانت ثورتُهُ ثورة الشورى، الهادفة إلى المحافظة على الخطّ النبويّ المحمّديّ ولم يخرج الحسين طلبًا للمُلك والرئاسة لنفسِهِ. بل خرج ليقف في وجه ما دُعي “فقه المتغلِّب”، الذي يرتكزُ على تحويل صلاحيات اختيار الحاكم، من يد الأمة إلى يدِ بعض أفرادها. هذا الفقه يُضادُ روح الشريعة ومقاصد الدين. وبتعبير آخر، فإن القوة، عبر هذه الصيغة – باتت تحتكرُ الدولة، فيما المطلوب أن تحتكرَ الدولةُ القوة.”
واضاف:” تحرّك الحسينُ السبط لإحياء الدين، لإحياء إرادة الأمة، التي أجهز عليها الطُغاة، بعد أن استباحوا كرامتها، وانتهكوا حُرمةَ كتاب الله، وحُرمة سُنَّة النبي. ونقلبُ هذه الصفحة الدامية، من تاريخنا الإسلامي والعربي، التي تبقى لطخةَ عارٍ، على جبين الطُغاة، الذين سفكوا دم الحسين الطاهر، وأورثونا- نحن المسلمين جميعًا- أعباء جريمة لا تُغتفر.. نقلبُ الصفحة ولا نطويها، لنواجه السؤال الآتي: هل من سبيل إلى مداواةِ هذا الجرح الإسلامي، الفاغر فاهُ، والنازفِ أبدًا، على مرِّ العصور وكرِّ الدهور؟!
وتساءل: “كيف للمسلمين، سُنَّةً وشيعةً، أن يُفيدوا، دروسًا وعِبرًا، من أمثولةِ المأساة الحسينية، ويوظفوها في سبيل استقامة أوضاع العالمين العربي والإسلامي، وَقْتَ تتكالبُ عليهما قوى الشرِّ والبغي والعدوان، من كل فجٍّ عميق؟!
واستطرد:” نحنُ- معاذ الله- لا ندعو إلى إخراج الحدث الكربلائي من تاريخيتِهِ، ولا إلى تبخيس أبعاده السيكولوجية، كجرحٍ يعتملُ، بل دائم الاعتمال في الاجتماع الشيعي. فعاشوراء ليست حدثًا عاديًّا بسيطًا، جرت وقائعه في الماضي المنقضي، وطويت صفحتُهُ. بل غدت مأساةً، يعيشُها المسلمون الشيعة ويستعيشونها، في العاشر من محرّم من كل عام، بعد أن دخلت في معتقداتهم، وترسَّخت هُويَّةً حسينيَّةً، في لاوعيهم الجمعي. وإذْ يستعيدون هذه المأساة، بكل فصولها الدامية، فلكي تبقى نابضة في وجدانهم”.
واشار الى أن:” القرآن الكريم ما فتئ يدعو إلى كلمة سواء بين المسلمين وأهل الكتاب. وقد كان لهذه الدعوة، بعد مخاض تاريخي عسير، أن تُؤتيَ أُكُلَهَا، في عصرنا الراهن، فكانت “وثيقة الأخوّة الإنسانية”، التي تمّ توقيعُها، في دولة الإمارات العربية (4 شباط 2019) بين رأس الكنيسة الكاثوليكية قداسة البابا فرنسيس وبين إمام الجامع الأزهر الشيخ أحمد الطيِّب.”
ودعا الى تفعيل الحوار بين المرجعيات الروحية:” بإزاء هذه المبادرة التاريخية بين أكبر مرجعيتين دينيتين في العالم، أفلا نرى أن من الأهمية بمكان تفعيل الحوار بين المسلمين أنفسهم، بين مرجعياتهم الدينية في الأزهر الشريف والنجف الأشرف وقُم المقدّسة، وليتمّ الخلوص إلى “وثيقة الأخوّة الإسلامية”، وبما يؤول إلى قطع دابر الفتن، التي يعمل على إشعالها المصطادون في الماء العكر، وما أكثرهم بين ظهرانينا. ناهيك عن دور العدو الصهيوني والقوى الاستعمارية، التي تتربَّص بنا الدوائر، وتعمل على تبديد شمل المسلمين والعرب، وتفريق جمعهم، وتمزيق دولهم شرَّ ممزّق، ولا تعوزنا الشواهد، فهي باديةٌ للعيان، تُعدُّ وتُحصى.”
وختم الحلوة:” ثمة مُعادلةٌ ذهبيّةٌ، ندعو إليها، بل يجب أن نعيشها كمسلمين، فعلَ إيمانٍ حقيقيًّا: أنا سُنِّيٌ بقدر ما تستبطنُ سُنيّتي من ثورةٍ حُسينيَّة، وأنت شيعيٌّ بقدر ما تتّسعُ شيعيتُكَ لسُنيّتي السمحاء! نحن الاثنين نظيرانِ في الخَلْقِ وأخَوَانِ في الدين!
ألفا
ثم ألقى الكاتب والاعلامي روني ألفا مداخلة أجرى فيها مقارنة بين جراح الحسين وآلام المسيح مستحضرًا بيلاطس البنطي وبراباس والقديسة هيلانة وبطرس الرسول وعلي الأكبر مجرياً إسقاطات رمزية على واقعة الطفّ وشخصياتها مشيراً إلى أنَّ ” الحسين غرفَ براحتيهِ مِن دمِ الرَّضيعِ المُسجَّى في حضنِهِ دمًا أرجوانيَّ الشّهادَةِ وأطلَقَهُ حَمامًا زاجِلًا نحو السّماء. دماءُ جِراحِ الشّهداءِ لا تَسقُطُ على الأرض. دمٌ يقاومُ الجاذبيَّةَ يَنهَمِرُ صُعودًا في السَّماء”
وتابع ألفا قائلًا: ” عليُّكَ الأكبَرُ كَسَرَ على عطشِه مئةً وعشرينَ رِمحاً. قليلًا بعد ويسقيهِ جدُّكَ بكأسهِ الأوفى شُربةً فَلا يظمأُ بعدَها أبداً. سافرَ العطشُ مِن حنجرةِ إمامٍ وحَطَّ في حنجرةِ مَلَك! تقمَّصَ في إسفِنجَةِ خَلٍّ دَخَلَتْ فَمَ المَسيح. دُعِيَ جرنُ مَعموديّةٍ كامِلٍ لِيَغطسَ في نهرِ الأردنْ وَيَشرَبَ الأنخاب.”
وأضاف. ” عاشوراء طبقٌ رَئيسٌ على مائِدَةِ التاريخ. ما سِوى ذلك فَضَلاتُ الصَيرورَة. أسماءُ العَلَمِ بقايا غُبارِ حَوافِرِ خَيل. طَنينُ بَعوضَةٍ فوقَ ناموسيَّةِ المِشوار! التفاصيلُ جثَّةٌ متآكلَة. مَعنى عاشوراء جُثمانٌ نَضِرٌ يَصونُ كلَّ وَظائِفِهِ الحَيويَّة”
وأردف معتبراً أن ” إحياء عاشوراء ليسَ مناسبَةً بالنسبَةِ لي أنا المَفطورُ على ” ادِر خدَّكَ الايسَر ” لِقَتلِ قاتِل الحسين.
أكادُ أنَسى اسمَه. لكنّي لا أنسَى مَن يَتناسَى الحُسَين. ومَن يُجرِّدُ مَوتَه مِن المَعنى أو يؤيِّدُ قاتِلَهُ. كلُّ مَن يفعَلُ ذلك يقتلُ مَن يحبُّ الحُسَين ومَن يُحِبُّ المَسيح”
وختمَ مشيرًا إلى أن “تاريخ الحسين يُقرأ كما تُقرأُ الجلجلة. تاريخٌ تلتفِتُ إلى الوراء لِتراهُ مستَقبَلًا. إنه التاريخ الوحيد في العالَم الذي يسيرُ عَكسَ التاريخ. من المُستحيلِ أن تهزِمَ أيَّ شَخصٍ يُنَوضِرُ بعدسِةِ التاريخ من المستقبل إلى الماضي لا مِن الماضي إلى المستَقبَل. حتميَّةُ انتِصارِ الحقِّ على الباطِل.. انتصارُ الحياةِ على المَوت. وانتصارُ القتيلِ عَلى القاِتل”.